لماذا نحتاج إلى رؤية إيجابية في الأخبار؟

تسيطر الأخبار السلبية على أغلب التغطيات الإعلامية في العصر الحديث. عناوين الكوارث والحروب والأزمات الاقتصادية والفضائح تجذب الانتباه بسهولة، مما يجعل الغالبية العظمى من التقارير تدور في فلك التشاؤم والمشاكل. لكن، بعيداً عن الرغبة السطحية في سماع “أخبار جيدة”، هناك أسباب عميقة وضرورية تجعلنا نحتاج إلى رؤية إيجابية متوازنة في المحتوى الإخباري الذي نستهلكه.

إن الحاجة إلى الإيجابية هي حاجة نفسية واجتماعية تضمن فعالية الإعلام وتأثيره البنّاء على المجتمع.


1. مكافحة إجهاد الأخبار (News Fatigue)

التعرض المستمر للأخبار السلبية والمعلومات المقلقة يمكن أن يؤدي إلى حالة تُعرف بـ “إجهاد الأخبار” أو “قلق الأخبار”.

  • الإنهاك العاطفي: التلقي المستمر لقصص المآسي واليأس يُصيب الجمهور بالإنهاك العاطفي ويُفقد القضايا المهمة تأثيرها.
  • الانسحاب: عندما يصبح العالم في الأخبار مكاناً مظلماً لا نهاية لمشاكله، يميل الناس إلى الانفصال التام عن متابعة الأخبار لحماية صحتهم العقلية. هذا الانسحاب خطير لأنه يؤدي إلى جمهور غير مطلع وغير مشارك في قضايا مجتمعه.
  • أهمية التوازن: تضمين الأخبار الإيجابية، مثل قصص النجاح، أو الحلول المبتكرة للمشاكل، أو التقدم العلمي، يكسر حاجز السلبية ويجعل متابعة الأخبار عملية محتملة ومحفزة بدلاً من أن تكون مرهقة نفسياً.

2. تحفيز العمل والمشاركة الاجتماعية

غالباً ما تؤدي التغطية السلبية المفرطة إلى شعور الجمهور بـ “العجز المكتسب” (Learned Helplessness)، حيث يعتقد الفرد أن المشاكل أكبر من قدرته على الحل أو التغيير.

  • نقل قصص الحلول: الأخبار الإيجابية لا تعني إهمال المشاكل، بل تعني تسليط الضوء على الأفراد والمجتمعات التي نجحت في حل تلك المشاكل. هذا النوع من التغطية، المعروف باسم صحافة الحلول (Solutions Journalism)، يقدم نموذجاً يمكن تكراره ويُلهم الآخرين للتحرك.
  • إعادة بناء الأمل: عندما يرى الناس قصصاً عن نجاح المشاريع المجتمعية الصغيرة، أو تقدم جهود الإغاثة، أو ابتكارات شبابية تغير الواقع، فإن هذا يعيد بناء الأمل ويحفزهم على المشاركة الفعالة بدلاً من الشعور باليأس.
  • تعزيز الروابط المجتمعية: القصص الإيجابية عن التعاون والتكاتف تسلط الضوء على أفضل ما في الطبيعة البشرية، وتعزز الروابط الاجتماعية والشعور بالانتماء المشترك.

3. تقديم صورة شاملة للواقع

التركيز المفرط على السلبية يقدم صورة مشوهة وغير دقيقة عن العالم. صحيح أن المشاكل موجودة، ولكن التقدم والنمو والنجاحات أيضاً جزء أصيل من الواقع اليومي.

  • تأثير تحيز السلبية (Negativity Bias): الصحفيون يميلون لا شعورياً إلى إعطاء الأولوية للقصص السلبية لأنها أكثر جاذبية للجمهور (وهو ما يُعرف في علم النفس بـ “تحيز السلبية”). لكن دور الإعلام الشفاف هو تجاوز هذا التحيز لتقديم صورة متوازنة.
  • الأرقام لا تكذب: هناك تحسن مستمر في مجالات مثل معدلات محو الأمية، والصحة العامة، ومكافحة الفقر عالمياً. تجاهل هذه الإحصاءات والتركيز فقط على الأزمات الفورية يعطي انطباعاً بأن العالم في تدهور مستمر، وهذا ليس صحيحاً بشكل مطلق.
  • التغطية المتوازنة: تحتاج الرؤية الإيجابية إلى أن تكون جزءاً من التغطية اليومية لتعكس الواقع بكل تعقيداته، بدلاً من حصرها في زاوية “الأخبار الخفيفة” أو “فقرة نهاية النشرة”.

4. تحسين الأداء المهني للإعلام

عندما يسعى الإعلاميون بوعي لتبني رؤية إيجابية (صحافة الحلول)، فإنهم يرتقون بمستواهم المهني.

  • الابتعاد عن الكسل الصحفي: الإبلاغ عن الكوارث أمر سهل نسبياً؛ أما البحث عن حلول المشاكل وتأثيراتها الإيجابية فيتطلب مجهوداً أكبر وتحقيقاً أعمق. هذا يدفع الصحفي إلى العمل الاستقصائي الدقيق بدلاً من الاكتفاء بالنقل السطحي.
  • خدمة الجمهور بفعالية: الهدف النهائي للإعلام ليس فقط إخبار الناس بما حدث، بل مساعدتهم على فهم العالم وإيجاد طريقهم فيه. قصص النجاح والحلول تخدم هذا الهدف بفعالية أكبر من مجرد سرد المآسي.

أضف تعليق